الأحد، 26 فبراير 2012

تفعيل البريد الإلكتروني

ترددت هذه العبارة كثيرا مع بدء تطبيق المراسلات الإلكترونية من قبل وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان؛ ويُراد منها ألا يكون البريد الإلكتروني صورة شكلية بل يصبح أداة من أدوات التواصل التي يتعامل بها موظفو الوزارة . ولنقف وقفة مع تلك العبارة فربما نستفيد منها شيئا ؛ قد يكون بعيدا عن فحواها لكنه يقع ضمن نطاقها بقليل من التأمل.
عندما يحفظ فلان قدرا غير يسير من القرآن الكريم ، ويجوّد ما يتلوه كأفضل ما يقرأ قاريء ؛ بصوت ندي ، ونَغَمٍ شجي ، يأخذ بمجامع القلوب ، ولكنه لا يبارح لسانه ، ولا يخامر جنانه ، فأقواله وأفعاله وفق ما يأمر الشيطان ؛ لا على نهج القرآن ، أما يحتاج هذا إلى " تفعيل البريد الإلكتروني " ؛ بأن يكون القرآن الكريم " مفعّلا " في سلوكياته ، وليس نسوكا يستر بها ما تهالك من أفعاله ؟
حينما نرفع شعارات الصدق والمساواة واحترام الآخرين ومكارم الأخلاق ، فنلقي المحاضرات العلمية ، والخطب البليغة الرنانة ، ونكتب المقالات ؛ في الصحف والمجلات ؛ ننمق فيها الجمل والعبارات ، ونستشهد فيها بالأحاديث النبوية والآيات ، ثم نحن بعد كل ذلك لا يجاوز ما قلناه حناجرنا ومحابرنا ، ألا يستدعي ذلك " تفعيل البريد الإلكتروني " ؛ فنعمل على أن نتمثل ما قلناه وكتبناه في واقع حياتنا ؟
وعندما نحشو أدمغتنا بمختلف المنظومات النحوية وشروحاتها ، ومنظومات التجويد ودقائق أحكامها ، ونتهافت على اقتناء الكتب في تلك الفنون ، ونحن لا نقيم جملة صحيحة على ألسنتنا ، ولا نحسن قراءة آيتين متصلتين من كتاب الله ؛ أما يدعونا ذلك إلى " تفعيل البريد الإلكتروني " ؛ ليكون ما كنزنا به العقول أداة نقيم بها الألسن ، وتبعدنا عن الخطأ واللحن ؟
وحين نحث الآخرين على الإنفاق في سبيل الله ، ونكثر اللوم والعتاب على المقصرين ، ونلقي باللائمة على أساليب تربيتهم في هذا الجانب ، وبيننا وبين الإنفاق بُعد المشرقين فبئس المتحدث ؛ أليس  الأولى " تفعيل البريد الإلكتروني " ؛ بأن يرى من نخاطب أفعالنا قبل أقوالنا ؟
مشاهد تتكرر ، وصور تتوالى ، لعلك – عزيزي القاريء – تستحضر كثيرا منها في مخيلتك الآن ؛ فإن لم تكن ممن يفعّلون بريدهم الإلكتروني فلا تلم غيرك إن لم يفعّلوه ، واعمل على تفعيل بريدك فما أحوجنا إلى " تفعيل البريد الإلكتروني ".

الوَطَنِيَّةُ

لعل هذه الكلمة مما اعتادت آذاننا سماعها تتردد هنا وهناك تنطلق من ألسن ربما تعرف نطقها وتعي جوهرها " وقليل ما هم "، وأخرى تتغنى بها ولا تدرك كنهها، وآخرون قد لا يلقون لها بالا ثم يخلطون بينها وبين رموز بعينها وفي قرارة أنفسهم أنها تماهت في الوطن ولعلهم يصرحون بأنها هي الوطن ويكونوا هم دعاة الوطنية.

إن الوطن وشيجة تجمع أفرادا تشدهم إليه عناصر تسري في دمائهم، يحسون بنفح عبيره في السراء، وبلفح هجيره في الضراء، لا يدرون ما الذي يشدهم إليه إذا نأوا عنه، ويشعرهم بالسكينة إذا أووا إليه، ينعمون بخيراته فيشكرون، ويكتوون بلأوائه فلا ييأسون ولا يضجرون.

الوطن ميراث الأجيال المتعاقبة؛ فنوا وبقي هو شامخا لا تزعزعه ريح عاتية، ولا تثلم بنيانه الضربات المدوية. ليس من الانصاف – في نظري الشخصي – أن نربطه بأيٍّ كان، ولا نباهي به في محافلَ لا تبعث على الفخر ثم نعتبرها أس الوطنية وأساسها ولحمتها وسداتها.

وطننا أعظم من أن توحده الملاعب والمهرجانات، وأعز من أن ترسم أعلامه على وجوه الغوغاء المائلين المميلين، وتعلو رؤوسا كأسنمة البخت المائلة، وأسمى من أن تجمعه رقصات الراقصين والراقصات، ودندنات المغنيين والمغنيات.

الوطنية شعور يجعلك تحسُّ بأن الوطن كلَّه يعنيك ما فيه ومن فيه، لا ترضى أن يدنس أي شبر منه بأي شكل من أشكال التنديس المعنوي والمحسوس، لا تطيق أن ترى سكانه ينجرون وراء سفاسف الأمور والترهات فتسعى جاهدا إلى الإصلاح ما استطعت باذلا وقتك وجهدك رخيصا في سبيل ذلك. ترى أن ما تقدمه هو واجبك الذي لا ترجو له مقابلا، بل هو قصار جهدك، وأقل ما يمكن أن تقدمه اتجاهه.

كم تعلوني الدهشة، وتملأني الحسرة حين أرى من يرفع عقيرته بالهتاف للوطن في مناسبات لا أعدها – شخصيًّا – مما يرفع شأن الوطن، ولا ما يُلبسنا ثوب الفخار والعزة، متهما من لم يفعل فعله بالتقصير، مرددًا: "إنتَ ما عندك وطنية" وهو في مقابل ذلك لا يقيم لوطنه اعتبارا فتراه لا يأبه بإصلاح نفسه علميا وفكريا وثقافيا، ولا يترك مكانا يقعد فيه إلا رمى ما يمكن رميه من أنواع المزابل، يعاكس هذه وتلك، ويكتب ذكرياته ومطالباته واحتجاجاته على جدران المرافق العامة وأبواب الحمامات، وربما دمّر وسرق، وكسّر وأحرق، لا يهمه إلا إرضاء نفسه المريضة، شعاره " من سلمت ناقتي ما عليّ من رفاقتي ".

يا له من حبٌّ رخيص وسهل؛ لا يحتاج إلى مجهود، ولا يكلفك أدنى مشقة وعناء، كن أول من يرقون سلالم مدرجات الملاعب؛ ملطخا وجهك بألوان المهرجين، وحاملا زادك من الطبول والمزامير، ولا بأس -إن كنت لا تجيد الرقص- بهزة تشعرك أنك تشرّبت حب الوطن، وكن في مقدمة مستقبلي الماجنين والماجنات من المغنيين والمغنيات، وتمايل تمايل السكران النشوان على قرع الطبول واختلاط يمتقع به ماء الوجه !

إن واجب الإعلام كبير في توضيح ماهية الوطنية، وتغيير ما اختلط بذلك من سخافات وخزعبلات لا تنبيء إلا عن ضحالة في الفكر، وتدهور في مفهوم الثقافة، وتراجع في الوعي اتجاه ما علينا من واجبات بحق الوطن، ولكنْ أنَّى لفاقد الشيء أن يعطيه ؟!

أبناؤكَ يُغَشُّون و يَغُشُّون !

مع استشرافنا للذكرى الوطنية الأربعين التي تصادف الثامن عشر من نوفمبر من كل عام لا يمكن لأي منا إلا أن يشهد بأن ما تحقق على أرض الوطن من المنجزات على كافة الأصعدة وفي مختلف الميادين هو نتاج عمل مخطط دؤوب للوصول إلى أعلى مراتب الرفعة – رغم ما يتردد بين الأزقة المتهالكة؛هنا وهناك،والفئات المهمشة؛بقصد أو عن غير قصد؛ وفي أروقة المنتديات الإلكترونية – التي تكفل حياة هنيئة لمن يستنشق هواء وطننا الغالي عمان.
إن الحديث عن كل ذلك لا تكفيه كلمات ترقم ، ولا قصائد تنظم ، ولا خواطر مواطن ملهم. وحسبي في هذا المقام أن أسطر كلمات أضع فيها يدي على جرح لا يزال يؤرقني ويؤرق كل غيور ألجم فوه بدعوى الحديث في السياسة ؛ أي سياسة تلك التي تغطى فيها الحقائق بأثواب الأباطيل التي تطرز بالخيوط المذهَّبة الزاهية لتصل بأزهى حللها المقنعة لكسب الرضى والتأييد !
أنا لا أطيق الحديث عن السياسة ولا من يشتغل بها ؛ فذلك شر – ليس محضا - نجانا الله منه ومن الخوض فيه ، ولكن حين تمس نارها كياننا وتوشك أن تعصف بسَمُومها علينا فتذرنا بلا هوية ؛ لا نعرف ما نريد ولا ما يراد بنا ؛ عندها لا يمكن أن نسكت !
إن سياسة التعليم – التي يحلو لي أن أسميها بسياسة التعتيم والتجهيل – لا يمكن أن تصنع مواطنا صالحا فضلا عن رجل يعتمد عليه الوطن في الرقي والتطور! أبناؤنا يصلون إلى مراحل متقدمة دون أن يحسنوا القراءة والكتابة ، ثم تأتي التقارير والنشرات الإخبارية والأفلام التعليمية لتتحدث عن افتتاح مدارس جديدة ، ومبانٍ جديدة لمديريات تعليمية ، وصولا إلى قصر وزارة التربية الذي لم – وربما لن – يرى النور ! ثم نطبل ونزمر – على أنغام الفنون الشعبية - كل ذلك لذر الرماد على العيون من قبل بعض التافهين الذين يخشون على الكرسي أكثر من خشية الله على التفريط في حقوق ناشئة لا ذنب لهم سوى أنهم استغلوا ليكونوا سلالم يدوس عليها أولئك ليصعدوا !
وما يلبث أبناؤنا حتى يصلوا إلى الصفوف العليا صفر اليدين من أدنى ما يمكن أن يخرج به طالب ؛ وهو القراءة والكتابة ؛ ليحاولوا أن يسدوا النقص بوسيلة(الغش) التي أتاحتها لهم البيئة والوسط المحيط ؛ رغم إمكانية التصرف حيالها بوسائل أقل ما توصف بأنها مضمونة النجاح ؛ ولكن لا بد منها حتى تكتمل الصورة الشوهاء التي تصل – كما أشرت - مزدانة رغم أنف كل من ينبس ببنت شفه !
صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد نبارك لكم عيدكم الميمون ، ونسأل الله لكم الصحة والسلامة ، والعمر المديد، ونبعث لكم رسالة صادقة من قلوب يسعدها ما يسعدكم ويؤذيها ما يؤذيكم، نقول لكم فيها:( أبناؤكَ يُغَشُّون و يَغُشُّون ).

ملاحظة: كتب قبل احتفالات سلطنة عمان بالعيد الوطني الأربعين

أبطأَ بهِ عملُه فأسرعَ به نسبه !

تكاد هذه العبارة – عنوان الموضوع - أن نقيم بها الوضع السائد فيما يخص ما يترامى إلى مسامعنا من أخبار نصبّح ونمسّى بها فتوشك أن تمجها الآذان فور سماعها  قبل وصولها إلى القلوب المتخمة بأوجاعها !

إنّ قاعدة ( هذا من شيعته وهذا من عدوه ) التي تحكم تبديد بعض الموارد المالية فيما لا طائل منه – في نظري الشخصي على الأقل -  لا يخفى على المتتبع لما يتم تناقله من أحاديث شفاهية ومراسلات إلكترونية وإنْ حكمنا على طائفة منها بالتضخيم المبالغ فيه إلا أن المصيبة ثابتة بقرائن لا تقبل التأويل !

لست هنا لأنصب نفسي محاميا يترافع باسم ( الشعب المطحون ) في محكمة المجهول أو المعلوم ، ولكنني – مثلك – أنظر من شرفة بيتنا الخَرِب ؛ الذي عاث به العاقُّونَ فسادا ؛ لأنظر إلى الآلاف بل الملايين وهي تُدار كما تدار الكأس بين محتسيها دون إنكار أو حتى استهجان لا لأن أولئك يستحقونها ولكن لأنهم وُلِدوا ليحملوا اسما كان له فيما مضى بريق !

فهل يرفع النسب إن تقاصر العمل ؟ وهل يَضَعُ النسب إن تسامى العمل ؟ وهل من قانون يقتص من أولئك على حساب هؤلاء ؟ وهل إغداق الأموال على ذوي الأنساب المشتهرة – مع افتراض ثبوت ما اشتهر بما يسمى بالأنساب – يشفع لهم العبُّ من الثروات دون حسيب ولا رقيب ؛ مع عدم استحقاقهم لها من بعيد ولا ولا قريب ؟

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما يروى عنه فيمن فرط في عمل الآخرة : " ... ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه " ؛ ويبدو أن من أعنيهم ممن أبطأ به عمله فأسرع به نسبه !

الخيانة ريح نتنه تعكر صفو الحياة ...!

هي ملازمة للنفاق
تظهر خلاف ما تبطن
أعظمها خيانة الله ورسوله
(( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ....))الأنفال 27
(( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين))الأنفال 58
((وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم))الأنفال71
((إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن لله لا يحب كل خوان كفور))الحج 38
وخيانة الخائن تلك إنما هي خيانة لنفسه
((...ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما)) النساء107

وليس هناك أعظم من اليهود في الخيانة فكان التوجيه من الله عفوا وصفحا :
وكما يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية : "" ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ) وهذا هو عين النصر والظفر، كما قال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق، ولعل الله أن يهديهم؛ ولهذا قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) يعني به: الصفح عمن أساء إليك "" ا هـ.
أما الخيانة الزوجية فهي في شيئين، أعظمها خيانة الإيمان ؛ كما هو الحال في امرأة نوح وامرأة لوط : ((ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ))..
فكان الجزاء لذلك النار وبئس المصير (..ادخلا النار مع الداخلين)

تأتي بعدها الخيانة الزوجية
في سورة يوسف يقول الله تعالى على لسان امرأة العزيز : ((... قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين*ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين * وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم))
وعلى خلاف بين المفسرين في ( ذلك ليعلم أني لم أخنه ... ) هل هو كلام امرأة العزيز أم أنه ليوسف عليه السلام
إلا أن سياق الآيات حديث لامرأة العزيز

ويتضح من الآيات أن هناك أسبابا مشتركة أدت إلى تلك الخيانة
فالزوج كان سببا حين سمح لشاب في نضارة شبابه مع ما أوتي من حسن الخَلقِ والخُلُق أن يصول ويجول في أنحاء داره دون رقيب ((..عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ))

والزوجة كانت سببا حين لم تمنع سهام بصرها أن توغل في الممنوع فكان ما كان من مراودتها إياه عن نفسه (( وراودته التي هي في بيتها عن نفسه ...)) وهو العفيف ابن العفيف والشريف ابن الشريف الذي لا ينسى حق من أحسن إليه ...((.. قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون))

وأصدقاء -هنا صديقات- السوء كانوا سببا ((وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال بعيد)) ؛ فإمعانا في الباطل وانتصارا للذات دعتهن(( واعتدت لهن متكأ ...)) فهل كان موقفهن إزاء الفتنة النصح والإرشاد ؟! كلا بل ((... قلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم )) وكأنهن يسوغن لها فعلها ويقرّنه !
ورغم ذلك فمن تاب تاب الله عليه ...((... إن ربي غفور رحيم))
  أما نسيان أخطاء الآخرين فهي مرتبطة بترويض النفس على ((..فاعفُ عنهم واصفح)).

من سلمت ناقتي ما عليّ من رفاقتي

يأبى هذا المثل العماني إلا أن يكون له حضور في مشاهدنا وأحوالنا العمانية لما له  من خصوصية عمانية صرفة نستحق به الإشادة في محافل الأنانية وحب الذات! لا أدري عن المجتمعات الأخرى شيئا ولكن أصف الحنظل إذ نحتسيه علقما في بلد المتناقضات ...!
إن منطلقات الإصلاح والتغيير ينبغي أن تتعالى من أن تتمثل بهذا المثل لرسوخ مبادئها، وشموخ أركانها، غير أن ما نلمسه من مواقف وما يحدث بين أعيننا ينبئنا بمقولة أخرى - رغم شدة وقعها إلا أنها تلامس واقعا مرا – ( ذيل الكلب ما ينعدل )!
حينما نطالب بإصلاحات جوهرية –أخص هنا التعليم- ونرفع عقيرتنا بذلك، وربما نجادل ونجالد ونخاصم ثم لمجرد استمالة بسيطة من الطرف الآخر نتناسى ما نادينا به وننسلخ كجلد الثعبان وكأن شيئا لم يكن ليشي بمرض حقيقي نحياه دون أن نعترف بذلك المرض... مرض أصاب من كنا نأمل أن يكونوا منارات الإصلاح وترياقا لجسد التعليم العليل ؛ المعلمون ؛ عذرا أقصد من كانوا معلمين !
قبل أسابيع قليلة سمعنا عن اعتصامات المعلمين وما ينشدوه من تلكم الاعتصامات من تغيير لوجه التعليم المشوّه وحدث ما حدث من ضرب وملاحقات واعتقالات حصيلتها أكثر من عشرين معلما –ممن هم في المقدمة- تم التحقيق معهم ثم أفرج عنهم، وشاء لهم المولى أن يكونوا في موضع الاختبار لصدق ما ينادون به إذ تم مساومتهم لينتقلوا من مهنة التدريس إلى وظائف إدارية فكان لهم بردا وسلاما وعلى غيرهم شمسا وزمهريرا..! ليس غِلا ولا حسدا ولكن لتغيّر مواقفهم بل ومشايعتهم لمن ليس في خندقهم ...!
طريق الإصلاح –في نظري- يبدأ أولا بتغيير جذري لما تلقيناه من فكر أناني ومحبة مفرطة للذات دون نظرٍ لما قد تؤول إليه تصرفاتنا من أبعاد سيئة علينا أولا ثم على الجتمع بأسره، وثانيا: بتهذيب مطالبنا وجعل مصلحتها رفعة وطنٍ يطلب منا الكثير وليست شخصية آنية، وأخيرا بالتربية على التضحية في سبيل المباديء والأفكار التي نؤمن بها فهو السبيل إلى الوصول إلى الغايات.

ملاحظة: أنا لست معلما حتى لا يظن بي سوءا ...

أنتظر

أنتظر
كنت حقا أنتظرْ
وأنا ما زلت  لم أبرح مكانا أنتظرْ
خبرا يروي فؤادا كاد من طول انتظاري ينفطرْ
هل هي الأيام ترمي بالغِيَرْ؟
أم تُرى قد خانه الإحساس رميا بالشررْ ؟
هكذا أنتَ تقاذَفك الظنون
ثم ترديك المنون
وتقول: أنتظرْ

1 + 1 = 3


يحكى هنا في ذات الزمن الذي اختلطت فيه الحقائق بالأوهام  والواقع بالأحلام ، وفي ذات المكان الذي كان ملاذا حصينا للشاب المغوار والبطل الهمام ( عاقل ) حين كان يعي ما يقول ويقال ، ولا يجد حرجا في أن يجيب عن أي سؤال ؛ لا قيود ولا أغلال ، ولا أثقال ولا أحمال.
كان يعرف بل يوقن  أن (  1+1=2 )  ليس هو وأهله  فحسب  بل حتى  أصدقاؤه وجيرانه وكل من يعرفهم  وحتى من أخبر عنهم ومن  سمع بهم – وربما حتى من لم يرهم ومن لم يسمع بهم – كانوا جميعا يسلمون بذلك ، حتى  ( معتوه ) الشاب ؛ الذي كان عملة نادرة في زمانه ؛ كانت إحدى أغانيه الصباحية والمسائية التي لا تزال تترد على مسمعي صديقنا ( عاقل )  قوله:
واحد زايد واحد اثنين
ماما وبابا أغلى اثنين
ياالله ... كم كانت تلك الأيام جميلة ... لا أدري لماذا أنا معجب بها رغم أني لم أدركها ولكني أشتشعر جمالها  .... وتمر الأيام وتتعاقب السنون والأعوام على صديقنا ( عاقل ) وها هو ذا شيخ فعلت به السنون الأفاعيل شاخ منه كل شيء حتى أنه لم يعد يعي أنه هو من كان يقول : إن (1+1=2) ...
 سأتركه يقول لكم ماذا حدث فهو لم ينسَ  تلك الحادثة حين كان ( سيَّاف) مستضعفا لا يقوى على فعل أي شيء ؛ فـ(عاقل) له بالمرصاد ؛ يكشف زيفه وإن شاء هشم أنفه ، وكل من يعرف (عاقل) ومن لا يعرفه يدركون أن الحق معه فتراهم خلفه مناصرون وله حامون .
(سيًّاف) لم يستسلم فهو صاحب التدبير الذي يملك من العتاد – أو أصبح يمتلك -  ما لا يملكه (عاقل) ناهيك أنه جمع حوله من يؤيده ويؤازره من طائفة ( سبهلل ) وجماعة ( خراريف) ؛ فبدأوا يشيعون أن (1+1=3) فاخترقوا بذلك صفوف  (عاقل ) وأعوانه حين أعلن ( مشغول ) ؛ وهو من هو عند ( عاقل) ؛  صراحة انضمامه إلى معسكر (سيَّاف) وصار ينادي أن (1+1=3) ...
تتابع سقوط أعوان ( عاقل ) واحدا تلو الآخر إلا قليلا ؛ منهم (مهزوم) و (مندهش) و(متردد) ؛  إلى أن أصبح الجميع يجهرون بأن ( 1+1=3) بل (1+1=4) و (1+1=5) ولا بأس من أن  (1+1=0) ما دام ( سيَّاف ) يريد ذلك.
ولا يزال ( عاقل ) الذي أقعدته الشيخوخة اليوم مذهولا مما قالته أخته ( صُدْفة ) بأن ( سيَّاف ) هو  ( معتوه ) الذي كان يعرفه !!!


جلسة بصحبة كتاب (شكرا أيها الأعداء) لسلمان العودة

 مما أعجبني من كتابات الشيخ الدكتور سلمان العودة قوله في كتابه شكرا أيها الأعداء : ( حين نتحدث عن إشكالية كثرة الاختلاف في واقع الأمة اليوم ؛ العلمي والدعوي ، ويطالب البعض بالتوحد تحت رأي وعمل واحد فهنا نكون أمام إشكالية أعمق هي الظن بأننا لا يمكن أن نهدأ إلا عند الاتفاق أما في الاختلاف فلا سبيل إلى حفظ مقام الإخاء والحقوق ).
إن التفاوت في ملكات البشر وقدراتهم واختلاف توجهاتهم وتطلعاتهم يولد – لامحالة – اختلافا في الأفكار وتباينا في وجهات النظر ولله الحكمة البالغة في ذلك؛ فلو خلق الناس بعقل رجل واحد لكسدت الأرض وفسدت ؛ قال تعالى :( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة 251 ، وما سنة التدافع هذه إلا سبيل لنصرة الحق وإزهاق الباطل ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) الأنبياء 18 ؛ فالحق واحد – في ذلك – وإن تعددت وجوه الباطل.
ولكن ما أعنيه – وما يقصده الشيخ العودة حسب فهمي - هو ما يكون فيه للعقل فسحة يقيّم فيه الأدلة والبراهين بناء على المعطيات واستعانة بالمواهب الإلهية التي تعين على الاستنباط والتحليل والحكم ؛ فالاختلاف في ذلك وارد ولا ينبغي إذ ذاك تهميش الآخر وازدراء آرائه والحط من قدره والتحامل عليه لمجرد تبني فكرة أو موقف مخالف، وفي المقابل لا يعني بالضرورة أن نتفق جميعا على الأفكار نفسها ؛ فإن اختلفنا بقي شيء لا يختلف فيه اثنان وهو المودة والمحبة والتقدير بيننا ؛ فليس ذلك مرهون بتشابه أفكارنا واتحاد وجهات نظرنا فذاك شيء وهذا شيء آخر.