السبت، 31 مارس 2012

بين إعمار الأرض والإفساد فيها
يطالعنا الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بحقيقة لربما غابت عن كثير من الناس فأصبحوا ينبهرون بشاهقات الأبنية، وروعة تصميماتها، ودقة زخارفها، وتباين ألوانها؛ فيعدون ذلك تحقيقا وتجسيدا لأمر الله – جلَّ شأنه – للإنسان بإعمار الأرض في قوله تعالى: ( ... هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) هود 61.

ولو رجعنا قليلا لنتعرف على حال الأمم السابقة – كما حكاها لنا القرآن الكريم – لوجدنا أنهم – بمفهوم أولئك- قد عمروا الأرض؛ فالله تعالى يقول: ( أولم يسيروا في الأرض فينظرو كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) الروم 9، ويقول في عاد: ( كذبت عاد المرسلين، إذ قال لهم أخوهم هودٌ ألا تتقون، إني لكم رسولٌ أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانعَ لعلكم تخلدون ) الشعراء 123-129، ويقول في ثمود: ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) الأعراف 74 ، ويقول فيهم أيضا: ( وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) الشعراء 149،  و ( كانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ) الحجر 82.

فمع أن الله تعالى سخر لأولئك الأقوام من الإمكانات الجسدية وغيرها ما استطاعوا به بناء القصور العالية، ونحت الصخور القاسية بيوتا فارهة إلا أنهم وصفوا بالإفساد في الأرض إذ لم يحققوا معنى الإعمار الحقيقي للأرض؛ فالإعمار ماديٌّ ومعنويٌّ، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالإصلاح في الأرض، وهم قد حققوا أولاهما – الماديّ – وأغفلوا ثانيهما وهو الأهم إذ رغم ما وصلوه وصفوا بأنهم ( يفسدون في الأرض ولا يصلحون ).

إذن فالعبرة في أن يوصل إعمار الأرض الماديّ إلى تحقيق الاستخلاف الموعود به الإنسان في قوله تعالى: ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون )؛ فخلافة الأرض تستدعي إعمارها بما ذكرناه وإلا فقوم عادٍ خلفوا قوم نوح، يقول تعالى: ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة ) الأعراف 69، وثمود خلفوا قوم عاد، يقول جل شأنه: ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ) الأعراف 74، إلا أن تلك الخلافة لأولئك الأقوام لم يقوموا بها كما يجب فكان ما كان من معاجلة الله تعالى لهم بالعقوبة مع تحقيق شطر الإعمار الذي يتشدق به من أشرنا إليهم في بداية المقال.


سعيد الخصيبي

الاثنين، 12 مارس 2012

المسرحية
اِنتظرلحظة عزيزي القاريء فليس هذا المقال سردا تاريخيا للفن المسرحي ؛ بأساسياته ومبادئه وأبرز أعلامه ؛ كلام ربما صارت مسامعك تمتعض من سماعه لكثرة تكراره ، وأنا - ربما تعلم - لست بناقد ولا محلل مسرحي يستهويني هذا اللون من الفن.
ولكن لا أخفي عليك سرًّا فكثير مما يتصل بالفن المسرحي قد كان مقررا دراسيا ؛ في فترة من الفترات ؛ درسته واستفدت منه كثيرا ، والآن أخذت عنوان هذا الفن لأَسِمَ به هذه الكلمات لأنني لم أجد سواه يعبر عما أودُّ الحديث عنه.
لقد أطلت عليك كثيرا فلا تبتأس سأقص عليك قصة ، لا بل قصصا ؛ وستدرك ما أعنيه. يخرج فلان إلى مقر عمله ؛ لم يعهد عنه أنه منضبط في مواعيده ؛ ولكنه وصل اليوم قبل أن تستيقظ العصافير ! ( أيش السالفة ؟ ). سعادته سيزور المؤسسة.
وآخر يتحدث مع أبناءه في البيت عن الصدق والصادقين ومنازل الصديقين ، وكأنه نبي مرسل ، أو مَلَك مكرم ؛ وأفعاله - بعيدا عن أعين أسرته – تشهد أنه الكذاب الأشر !
و فلانٌ - الأستاذ - يدخل المدرسة في زيِّ القديسين ، فارِه القامة ، رافع الهامة ، متزن السلوك ، لا يُرى عليه أثرُ العارِ !! وهو يخفي وجها قذرا يظهر عُواره عندما يُرخي الليل ستاره.
أخي القاريء إن جميع أولئك الذين ذكرت لك كانت ستنكشف حقائقهم ، وتُعرف دخائلُ قلوبهم لولا أنهم قد أجادوا تمثيل أدوارهم الجديدة إجادةً جعلت منهم أساتذة يمكن أن يستفيد منهم أساطين الفن المسرحي.
هل تعرف ما سبب هذه الإجادة المنقطعة النظير للفن السابع الذي يعده بعض النقاد من أصعب الفنون ؟ سأخبرك ؛ إنها التنشئة التي درج عليها أولئك ، بل درج عليها معظمنا – وأحسب جميعنا – فمن رأس المجتمعات إلى أخمص أقدامها تفننوا في التمثيل بل أصبح البعض نسخة مزيفة لشخصية أخرى بعيدة كل البعد عن واقع شخصيته الحقيقية.
تلك التنشئة التي ترى أن إخفاء الدمامل والبثور ؛ عن أعين الآخرين ؛ بثوب من الحرير الناعم الملمس البديع المنظر خير من علاجها ! ولبس الأحذية الجلدية العالمية ، و ( الكمة العمانية المنجمة ) ، والأثواب غالية الأثمان التي تستر تحتها أجسادا منتنة أفضل من الاستحمام ! وتزيين البيوت بالرخام الخارجي والألوان الباهرة أبقى أثرا من تقوية أساساتها وتوسيع غرفها !
فاعذرني عزيزي القاريء إن قلت لك : إننا نعيش للآخرين ، ونموت لأجلهم ، وكأننا خلقنا لنرضيهم ؛ وإلا فلماذا لا نعقد صلحا بين بواطننا وظواهرنا ؟ ولماذا لا نطلق شخصياتنا المزيفة حتى تبين منا ؟ ولماذا لا نظهر بوجه واحد ؛ ونخلع باقي الأقنعة ؛ وإن تعددت المواقف واختلف من نخالطهم ؟
أترك الإجابة لك أخي القاريء فلم أجد لتلك الأسئلة من إجابة سوى أن أصف أنفسنا أننا نعيش في ( مسرحية ) متشعبة المشاهد والأحداث !