الاثنين، 12 مارس 2012

المسرحية
اِنتظرلحظة عزيزي القاريء فليس هذا المقال سردا تاريخيا للفن المسرحي ؛ بأساسياته ومبادئه وأبرز أعلامه ؛ كلام ربما صارت مسامعك تمتعض من سماعه لكثرة تكراره ، وأنا - ربما تعلم - لست بناقد ولا محلل مسرحي يستهويني هذا اللون من الفن.
ولكن لا أخفي عليك سرًّا فكثير مما يتصل بالفن المسرحي قد كان مقررا دراسيا ؛ في فترة من الفترات ؛ درسته واستفدت منه كثيرا ، والآن أخذت عنوان هذا الفن لأَسِمَ به هذه الكلمات لأنني لم أجد سواه يعبر عما أودُّ الحديث عنه.
لقد أطلت عليك كثيرا فلا تبتأس سأقص عليك قصة ، لا بل قصصا ؛ وستدرك ما أعنيه. يخرج فلان إلى مقر عمله ؛ لم يعهد عنه أنه منضبط في مواعيده ؛ ولكنه وصل اليوم قبل أن تستيقظ العصافير ! ( أيش السالفة ؟ ). سعادته سيزور المؤسسة.
وآخر يتحدث مع أبناءه في البيت عن الصدق والصادقين ومنازل الصديقين ، وكأنه نبي مرسل ، أو مَلَك مكرم ؛ وأفعاله - بعيدا عن أعين أسرته – تشهد أنه الكذاب الأشر !
و فلانٌ - الأستاذ - يدخل المدرسة في زيِّ القديسين ، فارِه القامة ، رافع الهامة ، متزن السلوك ، لا يُرى عليه أثرُ العارِ !! وهو يخفي وجها قذرا يظهر عُواره عندما يُرخي الليل ستاره.
أخي القاريء إن جميع أولئك الذين ذكرت لك كانت ستنكشف حقائقهم ، وتُعرف دخائلُ قلوبهم لولا أنهم قد أجادوا تمثيل أدوارهم الجديدة إجادةً جعلت منهم أساتذة يمكن أن يستفيد منهم أساطين الفن المسرحي.
هل تعرف ما سبب هذه الإجادة المنقطعة النظير للفن السابع الذي يعده بعض النقاد من أصعب الفنون ؟ سأخبرك ؛ إنها التنشئة التي درج عليها أولئك ، بل درج عليها معظمنا – وأحسب جميعنا – فمن رأس المجتمعات إلى أخمص أقدامها تفننوا في التمثيل بل أصبح البعض نسخة مزيفة لشخصية أخرى بعيدة كل البعد عن واقع شخصيته الحقيقية.
تلك التنشئة التي ترى أن إخفاء الدمامل والبثور ؛ عن أعين الآخرين ؛ بثوب من الحرير الناعم الملمس البديع المنظر خير من علاجها ! ولبس الأحذية الجلدية العالمية ، و ( الكمة العمانية المنجمة ) ، والأثواب غالية الأثمان التي تستر تحتها أجسادا منتنة أفضل من الاستحمام ! وتزيين البيوت بالرخام الخارجي والألوان الباهرة أبقى أثرا من تقوية أساساتها وتوسيع غرفها !
فاعذرني عزيزي القاريء إن قلت لك : إننا نعيش للآخرين ، ونموت لأجلهم ، وكأننا خلقنا لنرضيهم ؛ وإلا فلماذا لا نعقد صلحا بين بواطننا وظواهرنا ؟ ولماذا لا نطلق شخصياتنا المزيفة حتى تبين منا ؟ ولماذا لا نظهر بوجه واحد ؛ ونخلع باقي الأقنعة ؛ وإن تعددت المواقف واختلف من نخالطهم ؟
أترك الإجابة لك أخي القاريء فلم أجد لتلك الأسئلة من إجابة سوى أن أصف أنفسنا أننا نعيش في ( مسرحية ) متشعبة المشاهد والأحداث !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق